الاثنين، 11 سبتمبر 2023


 السعادة


جمال الكون في صفائه ونقائه دون تلوثٍ أو عبث  واللذان كلُ أسبابهما الإنسان الذي يعكرُ صفاءهُ ونقاءهُ ، فما أجمل النجوم وهي تتلألأ في كبدِ السماء مُبتهجةً ببريقها سائرةً في مداراتها التي رسمها اللهُ عز وجل لها ، وما أجمل الأشجار وهي تتمايل بأغصانها مبتهجةً بنسائم الهواء التي تهُبُّ عليها ، ولا يعكرُ بهجتها وسعادتها إلا عبث الإنسان ، وما أجمل الطيور وتغريدها منتشيةً بحُريتها متنقلةً من شجرةٍ إلى أخرى فرحةً وسعيدةً ومبتهجة ، ومن ثَمَّ تأتي يدُ الإنسان لتخطف منها هذه الفرحة بصيدها ووضعها في قفص يحُدُّ من حريتها . ولكن هل يختلف حال الإنسان في حاله عن الكون ومكوناته ، فحياة الإنسان رهينةٌ بنفسه بخلوها من الضغائن والأحقاد والإتكال على الله في كل الأمور ، فسعادة الأنسان وراحته تكمُنُ في نفسه بخيرها وشرها والرضا بما قدره الله له ، فمهما عمل  وتعب وكد لن يأخذَ أكثر ما كتبه الله له ، وسيبقى باحثا عن السعاده المفقودة والتي لن يجدها إلا بالإيمان بالله وبالرضا والقناعة ، قال تعالى في سورة البلد – الآية4: { لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فيِ كَبَدٍ } فسعادة الإنسان تكونُ بالإتكال على الله في تسيير أمورِ حياته كُلها ، فما هي السعادة ؟ السعادة هي احترام النفس وتقدير الذات وما يستطيعُ الإنسان أن يحققهُ لنفسه دون النظر إلى الآخرين وما عندهم ، بل عليه أن ينظر بشكل مستمر إلى ما أنعمه الله عليه وعدم التركيز على ما يفتقدهُ ، والإقتناع بأنه لا يوجد من يملك كل شئ ، فالقناعة كنزٌ لا يفنى ، ومن يبقى باحثاً عن أكثر مما هو لديه لن يصل إلى السعادة المنشودة وسيبقى في كبدٍ وعناء ، وسعادة الإنسان ليست بالمال فقط ، فسعادتك بصحتك وسلامتك التي وهبها الله لك ، ومن أعظم سعادة ، وكم من أصحاب الملايين أنفقوا أموالهم من أجل صحتهم ، وقد يُحرمون من الكثير من ملذات الحياة ، والسعادة أيضاً بأن وهبك الله أبناءً ليحملوا اسمك ويبقى ذِكرك بعد رحيلك وكما قال الله تعالى في سورة الكهف – الآية40 : { الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } ولكن كل هذه الأمور من المالِ والبنين والصحة لن تهبك السعادة إذا كنتَ بعيداً عن رِضائك بما قسمهُ الله لك ، فالدين هو العامل الأساسي في اكتمال سعادتك بمالك وأبنائك وصحتك ، وإن الإنسان مهما عمل وبحث لن يأخذ أكثر مما قسمه الله له ، قال تعالى في سورة الذاريات – الآية 22 : { وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ } ، ومن أعظم أنوع السعادة العطاء والنظر إلى الفقراء والمحتاجين ومساعدتهم ممن منَّ الله عليهم بِنعمِه وخيراته ، فما تقدمه في دُنياك سيكون سعادتك وخلودك في جنات النعيم في الآخرة ولن تأخُذَ معك إلا عملك ، وكما قال الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم : 

                 لا تأسفنَّ على الدُنيا وزينتِها                   وأرِح فؤادكَ من همٍّ ومن حزَنِ 

                 وانظر إلى من حوى الدُنيا بأجمعها            هل راحَ منها بغيرِ القُطنِ والكفَنِ 

 ومن تعلقَّ في الدنيا فإن لهُ معيشةً ضنكا ، ولا يُمكن أن يُحقق السعادة لا في الدنيا ولا في الآخرة ، فالإتكال على الله والتيقن بأن الله تعالى هو الذي يُسيِّر الأمور في الحياة الدُنيا ، وأن كُلَّ ما يحصُل معك أيُها الإنسان هو مُقدرٌ من الله لك ، ويجب أن يستشعر الإنسان بأن الله تعالى لا يُمكن أن يؤذي أي إنسان ، وكل أمر له سببٌ من عند الله ، قال تعالى في سورة الطلاق – الآية 1  : { لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا } 

وهكذا نستخلص من كل ما ورد أن السعادة تكمُن في ثلاثة أمور وهي طاعة الله وراحة البال والقناعة ، فبطاعة الله سنشعر بالسكينة والسعادة ، لأننا سنعرفُ أن الله معنا في كل لحظة وفي كل واردةٍ وشاردة ، وبراحة البال يشعر الإنسان بالإستقرار والهدوء في حياته ، ويكونُ بعيداً عن التوتر والقلق وذلك لإيمانه بما يقدرهُ اللهُ  له ،  أما القناعة وهي لقناعة الإنسان بما قسمهُ الله له دون النظر إلى ما في أيدي الأخرين ، وعلينا أن نأخذ العِبرة من أقوال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه إذ قال :

              أفادتني القناعةُ كُلَّ عِزٍ               وهل عِزٌ أعزُ من القناعة

              فصيرها لنفسُكَ رأسُ مالٍ           وصير بعدها التقوى بضاعة 

              تحزُ ربحاً وتُغني عن بخيلٍ           وتنعمُ في الجنانِ بصبرِ ساعة

 وقال صفيُ الدين الحلي : 


             قناعة المرء بما عنده                         مملكة ما مثلها مملكة

            فارضوا بما جاء عفوا ولا                    تلقوا بأيديكم إلى التهلكة

 

صخر محمد حسين العزه 


عمان – الأردن

8/9/2023

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 فن التجاهل  يقولون أن التجاهل نصف السعادة وأنا أقول أن في التجاهل سعادةً كاملةً.. لأن التجاهل لغة العظماء فهو فن لا يقدر عليه إلا ذوي الشخص...