انعكاسات المرايا (لوحات)
والضدُّ يكشف حسنَه الضدُّ
===================
( وقفة)
__________________
وقفتُ أمامَ مرآتي حزينةْ
تجللني المهابةُ والسكينة
أحاولُ إن أرى فيها بصيصاً
وآمالاً على شط المدينة
فما ألفيتُ برداً في فؤادي
ولا شوق المسافر للسفينة
ولكني رأيت لها انعكاساً
غريباً زاد في قلبي أنينَه
وصورةَ متعبٍ وشقاءَ نفسٍ
وأحزانَ الفتى تدمي حنينه
رأيتُ تصادماً ورأيتُ طيفاً
وجنياً يشاطرني شجونَه
رأيتُ الليلَ والدنيا نهارٌ
وبوم الشؤم ينذرني ظنونه
رأيتُ أنا كأمي في صباها
وحين غفوتُ أصبحتُ السجينة
أنا و حكاية المرأة سِفرٌ
حكاياتٌ بصفحتها رهينة
_________________________
(الشباب والشيخوخة)
_________________________
وقفتُ أمام مرآتي ومابي
سوى هذا الجنون من الشباب
نثرت ضفائري في بحر جسمي
وقدّي قد تماهى في إهابي
وكحلتُ العيونَ بخير كحل
و مازجتُ اللآلئ بالرضاب
وخضبتُ الخدودَ بلون وردٍ
كما الجوريُّ يحنو للرباب
وسُقتُ بساعدي أنوارَ شمس
على خدٍّ أسيلٍ كالحراب
رأيتُ الحسنَ مرسوماً عليها
كبدرٍ بانَ من خلف الحجابِ
فداخلني الغرورُ بجود ربي
فطلتُ به العوالي من سحاب
رأيت الحسنَ لي وحدي تبدَّى
فأعمتني الجهالةُ عن كتابي
ورحتُ أسائل المرأةَ عني
وعن حسني وزركشة الثياب
فكانت صورتي فيها عجوزاً
بها شمطٌ و شيبٌ في ارتياب
بكت فرأيت شدقأً دون سن
ودمعاً في خدود كالهضاب
ونورَ الوجه أطفأهُ اكتئابٌ
فما أدري الحقيقةَ لاكتئابي
رأيت الشيخَ في بردَي شبابي
يذكرني الحقيقة في ثوابي
لماذا في ربيع العمر نبدو
جذوعاً هدَّها شوق التراب؟
لعل غرورنا من غير عقلٍ
يرينا أصلنا عند الإياب
ويخطفنا لهاويةٍ سحيق
ترينا الذلَّ من بعد العتاب
ونبقى بين فلسفةٍ غرور
وخوفٍ طال في أصل الجواب
نتوه فترسم المرأة ذكرى
على وقع التخوف من مآب
ويبقى داخل الإنسان طفل
وشيخ قد تصابى باحتساب
____________________
(العنوسة)
________ _____________
خُلقتُ جميلةً فيَّ الجمالُ
و حسنٌ بات يرويه الغزالُ
فلي شعر كلون الليل داج
ولي لحظٌ بنظرته النصالُ
ولي وجه الفرزدق في ضياء
ومعنى الزبرقان كما يقال
ولي سحر الغزالة في ضياها
ونور البدر إن نطق الكمال
وتمتمة الهزار على رياض
وروضٌ تزدهي منه السلال
حباني الله حسناً فوق حسن
فهامت في مطالعه الرجالُ
فجاءتني قوافلهم تباعاً
تريد القرب وازداد السؤال
فأبعدهم غروري عن نوالي
وعز على عزيزهم النوالُ
وكان الصد أقوى من وصالي
ولي حجج يموت بها الوصالُ
ففارقني الرجال بلا اهتمام
ومرَّ العمر وانفضَّ الجمال
وبان العجز والسنوات تمضي
وبدري بات يحقره الهلال
وأرَّقتِ العنوسةُ طولَ ليلي
وجسماً بات يتعبه الهزالُ
نظرت إلى السجنجل في حياء
وفي عيني من دمعي جبالُ
رأيتُ عنوسةً قتلت جمالاً
بتبريرٍ يفنده المآل
و مرآةً تُذكِّرني غبائي
وأوهاماً يداعبها الخيالُ
وواقعَ أمة يجني عليها
غرور أو غباء أو ضلالُ
_______________________
( الوحدة )
___________________
بقيت أمام مرآتي وحيدة
تعاكسني فأمنحها قصيدة
على نفسي انطويتُ كأي أنثى
تجرعت المرارة والمكيدة
فلا الأحلامُ حققها غروري
ولا الأفكار ومضتها رشيدة
ونفسي تشتهي والحلو مرٌّ
و أورادي التباكي والوصيدة
وألمح في خيالاتي حكايا
وفي نومي كوابيساً عديدة
أعضُّ على شفاهي بامتعاض
وأبكي والفؤادُ بكى وريده
واشتاق الرجوع إلى خوالٍ
فتهزأ بي لياليها السعيدة
مع الآلام وحدي في ظلام
و مرآة وأشواق جديدة
ومالي غير شوق لارتحال
به الآمال قد أمست بعيدة
________________________
(النفس والمرآة
________________________
وللمرآة إحساس و روحُ
عليها النفسُ منطقها يفوح
ففي حال السعادة نحن فيها
نرى كل الجمال فلا قروح
وفي حال التعاسة كل شيء
تباريحٌ تُرى وتُرى الجروحُ
نفوسُ الناس ترسم في المرايا
مشاعرها ومارسمت صريحُ
ويبقى الحزن مرسوماً عليها
لأن جميعَ أوطاني تنوح
فراحلُها يذوق الموتَ دوماً
وساكنُها يدمِّرُه النزوحُ
وباقي العمر يهزأ بالثكالى
فأين الحزن يغدو أو يروحُ
===============
بقلمي
د.جميل أحمد شريقي
( تيسير البسيطة )
سورية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق